خلقك من صلصال كالفخار، فجعلك في أحسن تقويم، ثم قدّرك وعلّمك البيان، وسخّر لك في الأرض فراشا ومعاشا، وجعل لك السماء بناء، وأنزل منها ماء مدرارا ليخرج لك من الأرض حبا ونباتا، لتحيا وتنعم وترضى!
ووهب لك المال والبنون زينة الحياة الدنيا! وأنعم عليك بأعظم النعم الكونية نعمة الإسلام، ليخرجك بها من الظلمات إلى النور.
وليس هذا فحسب، بل سخّر لك في الأرض القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل الموسومة والأنعام متاعا لك؛ حتى لا تشقى أو تكذّب بالدين فتخسر الأخرى.
ثم قال لك يا عبدي الضعيف أنا ربك الأعلى، خلقتك في هذه الدنيا لتعيش مدة تطول أو تقصر، هلا عبدتني فيها وأطعت أوامري، ولك في يوم تشخص فيه الأبصار، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدا فيها أبداً؟!
لكنك طغيت، نعم! وتكبرت على كل النعم، وصرت متعجرفا كأنَّما لن تموت أبدا، وأخذت تفسد في الأرض، وجعلت من نفسك أحمقا!
غريب أمرك يا ابن آدم تشكو وتتحسر بأنّك تشقى!!! ألا تنطق، ألا تسمع، ألا تعقل، ألا تمشي، ألا تقرأ… فماذا يكذّبك بعد بالدين؟! ماذا يكذّبك بعد بالدين؟!
حقا أنا مستغربة هل أنت أحمق؟!!
- ألم يجدك يتيما فأواك؟!
- ألم يجدك فقيرا فأغناك؟!
- ألم يجدك مريضا فشفاك؟!
- ألم يجدك ضالا فهداك؟!
- ألم يجدك مضطرا فاستجاب دعواك؟!
فماذا يكذّبك بعد بالدين؟! ألست من الحامدين الشاكرين.
كلّا إنّك تؤثر الحياة الدنيا، وتحب المال حبا جما، وتنام وتنسى الجائع واليتيم، الفقير والمحتاج، السقيم والمسكين؟!
نعم تنام مفتخرا بأنّ لك أهلا ومالا ومسكنا عظيما، ولكنّك لا تخشى رب العرش العظيم! بل تسعى وتلهو في الحياة الدنيا مفتخرا، أتحسب أنّك تحسن صنعا؟!
تعيش وترى الموت هنا وهناك، لكنّك تستمر في طغيانك وكبريائك. فحتى فرعون الذي طغى وأفسد في البلاد صار عبرة للعباد، فماذا يكذّبك بعد بالدين؟! ألست من عباد الله الصالحين الواعظين.
تصدق وتؤمن بالحياة الفانية، وتنسى يوم تأتي الصيحة، يوم تنقلب الدنيا، يوم تزول القلاع والحصون وحتى بيت الله العظيم.
ماذا قدمت لحياتك غدا حياة الخلود؟ ماذا ادّخرت لها، قصورا وأنهارا نخيلا وأشجارا أم ماذا؟!
أم أنّك تدخر لحياة الهالكين الغافلين لجحيم السعير، ويا له من سعير!
استيقظ يا مغفل، فلن ينفعك مالك وعلمك بالحياة، ولا شأنك وعزتك في الدنيا، ولا السلطة ولا الشهرة، فمهما بلغت ومهما ارتقيت وارتفعت لن ينفعك:
- سوى عملك الصالح.
- سوى إيمانك وذكرك لرب الكون رب البشر.
- سوى قربك وسجودك للعزيز الجبار.
فماذا صنعت لحياتك يا ترى؟!!!
إنّك تستهين بحياتك، ألا تخاف من موتة الغفلة، ألا تخاف ممن خلقك وهداك النجدين، يوم ترجع إليه صفر اليدين، وأنت تستغيث فلا مجيب، يا ليتني كنت ترابا.. يا ليتني قدمت لحياتي!
إنّك تتحسر وتتذمر، فما العمل؟ الهروب من الجحيم الموعود! أتعتقد أنّ الأمر هيِّن، كلا لينبذنَّ في الحطمة وما أدراك ما الحطمة! أتريد أن تجرب، ضع يدك في النار، هل استطعت؟! إذا لا تحتار، فلك الاختيار ما بين الجنة والنار.
هل لازلت تختبر الأيام وتقول:
- سوف أتوب وأعود لأجل اليوم الموعود.
- سوف أصلح ما فات.
- سوف أكون الصائم القائم.
- سوف أتذكر وأتدبر وأخشع.
- سوف أعطف على اليتيم والمسكين.
- سوف أنفق للضيف، وأحسن للجار.
سوف ماذا؟ ثم ماذا؟ أين المفر، فأنت تحتضر، إنّه آخر يوم لك، إنّها آخر ساعة، آخر لحظة.
نعم إنّك تحتضر، نعم حانت لحظة الختام، فأدركتك الساعة بغتة، فهل أنت طاهر؟ هل أنت راكع؟ هل أنت ساجد؟ أم أنّك تائه بين الحمقى!!! فأين المفر.
القبر أمامك، المعاصي وراءك، فماذا أنت فاعل؟ كلّا إنّك عاجز، فأين أنت عائد.
- ألم تنفعك الذكرى؟!
- ألم يزعزع الآذان قلبك؟!
- ألم تخشى وتشعر بالرهبة؟!
- ألم تغرم بالمساجد والكعبة؟!
- ألم تعرف أنّها الفتنة؟!
إنّك فقط كنت تلهو وتلعب، وتستهزئ بالأيام التي كانت لك الأغلى، حتى رُفعت روحك إلى السماء العلا، إنّك الآن في القبر وحيد تستغيث وتترجى، تعتصر وتتألم حسرة وندما، يا ليت ليا الرجعى فأكون أنا الأذكى!
هيهات! يا لها من لحظات تقشعر لها الأبدان، يومئذ لن يعذب عذابك أحد، ولا يوثق وثاقك أحد.
ماذا فعلت بك الحماقة أيها البشر، وكم ضيعت لك عمرا كاملا فاندثر؟ ألا تريد أن تصلح أيامك، وما تبقى منها قبل أن تدركك الغفلة فتشقى مرتين.
إنّها ركعتين خفيفتين ودعاء من قلب منهزم منكسر يترجى بخيبة أمل، أن يا عفو إنّك عفو تحب العفو فأعفو عني، فأنا لن أعصي لك أمرا.
لا تكن أحمقا، الحياة فرص ثمينة لا تضيعها في التمنِّي، ألا تريد أن تكون في رياض الجنة مع الأبرار الأحرار، ولسوف يعطيك ربك فترضى.
هذا المقال بقلم حكيمة منصور، عضو وكاتبة مساهمة في فريق دار النجاح.
استيقظ يا مغفل، فلن ينفعك مالك وعلمك، ولا شأنك وشهرتك، لن ينفعك سوى عملك الصالح، سوى إيمانك وذكرك لرب الكون.